تحديات 2024.. الأمن الغذائي مهدد والزراعة المستدامة في حالة مأساوية
تحديات 2024.. الأمن الغذائي مهدد والزراعة المستدامة في حالة مأساوية
في أعماق عام 2024، ترتسم صورة مريرة لواقع الأمن الغذائي والزراعة المستدامة، إنها قصة مقلقة ترويها الأرقام والنسب القاحلة، تحكي عن وجع الجوع الذي يعترض طريق البشرية، وعن نداء الأرض المنهكة تحت عبء التجاوزات.
وتتصاعد أزمة الجوع وتتسع دائرة المعاناة وتتزاحم مئات الملايين من الأرواح الجائعة على ساحات البؤس، حيث يعاني أكثر من 820 مليون شخص حول العالم من سوء التغذية المزمنة.
وفي هذا العام يبرز تحدي توفير الغذاء، نسبة لارتفاع الأسعار في الأعوام السابقة، ففي عام 2023 ارتفع سعر القمح بنسبة 50%، وارتفعت أسعار الأرز والذرة بنسبة 40%، ما يحجب أمام فقراء العالم الأكثر حاجة إمكانية الوصول إلى الغذاء الصحي والمغذي.
حقيقة مرة تعكس الظلم وعدم المساواة في العالم، حيث تتسع الهوة بين الأغنياء والفقراء، وتتلاشى آمال الأبرياء في قلب الظلمات.
من زاوية أخرى تحتضر الأرض تحت وطأة استغلالها المفرط وسوء المعاملة، تتصادم الزلازل والفيضانات والجفاف في مشهد مروع يهدد الحياة على سطح الكوكب، وفي ظل تدهور التربة وتغير المناخ، تتضاءل مساحات الأراضي الصالحة للزراعة وتتراجع الإمكانات الزراعية.
وفي هذا العام تزداد الأزمة فينحسر المنظر الخضري وتتراجع المساحات الزراعية المستدامة بنسبة 30% عالميًا، إنه تراجع يحمل في جوفه صرخة الأرض المنهكة، وهي تلوح بانهيار نظام الزراعة المستدامة وتدمير البيئة واستنزاف الموارد الطبيعية.
تحذير حقيقي يتطلب تدخلًا عاجلاً وجادًا للحفاظ على مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة.
وعلى الرغم من هذا الواقع المرير، هناك بصيص أمل، فالاعتراف بأهمية الأمن الغذائي والزراعة المستدامة أصبح أمرًا لا غنى عنه، وتعمل الجهات المعنية على وضع استراتيجيات جادة لمواجهة هذه التحديات العالمية، وفي عام 2024، ارتفعت الاستثمارات في الزراعة المستدامة بنسبة 25%، ما أدى إلى زيادة الإنتاجية وتعزيز القدرة على تلبية الاحتياجات الغذائية، بالإضافة إلى ذلك، هناك جهود متواصلة لتعزيز التكنولوجيا الزراعية، مثل الزراعة العضوية والحلول الذكية، التي تعمل على تحسين الكفاءة وتقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية، كما يوجد تعاون دولي متنامٍ لتعزيز الزراعة المستدامة وتحقيق الأمن الغذائي.
وفي عام 2024، يصادف العالم صراعًا مروعًا بين الجوع والأمن الغذائي، بين الاستغلال والزراعة المستدامة، إنه صراع يحتاج إلى تفكير عميق وتحرك جاد لتغيير الواقع، صراع يدعونا للتعاون والتضامن، وللعمل المشترك لبناء عالم أكثر عدالة واستدامة.
الاقتصاد الزراعي والتنمية الاقتصادية
قال الخبير الاقتصادي، خالد الشافعي، إن الاقتصاد الزراعي هو القطاع الذي يتعامل مع إنتاج وتجارة المنتجات الزراعية، ويلعب دورًا حيويًا في تلبية الاحتياجات الغذائية للسكان وتوفير فرص العمل وتعزيز التنمية الاقتصادية في العديد من الدول، ومع ذلك، فإن الاقتصاد الزراعي يواجه تحديات كبيرة في ظل التحديات الاقتصادية والعالمية المتردية التي قد تواجهها في عام 2024، مثل تقلبات أسعار المنتجات الزراعية، التي يمكن أن تؤثر سلبًا على الاقتصاد الزراعي، حيث يعتمد الفلاحون والمزارعون على أسعار مستدامة لتحقيق الربحية، وتعتبر عوامل مثل التغيرات المناخية والتوترات الجيوسياسية وتقلبات سوق المنتجات العالمية من بين العوامل التي تؤثر على استقرار الأسعار، لذا يجب على القطاع الزراعي العمل على تطوير استراتيجيات للتعامل مع تلك التقلبات وتنويع مصادر الدخل.
وأضاف الشافعي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، يزداد الطلب على الموارد الطبيعية مثل الماء والتربة الزراعية، في حين أن تلك الموارد تتراجع بسبب التغير المناخي وتدهور البيئة، ويتطلب مستقبل الاقتصاد الزراعي الاستدامة في استخدام الموارد الطبيعية وتبني تقنيات فلاحية مبتكرة تقلل من استهلاك المياه وتحسن كفاءة استخدام الأراضي الزراعية، ويمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تلعب دورًا هامًا في تعزيز الاقتصاد الزراعي وتحسين الإنتاجية، وتطور التقنيات مثل الزراعة الذكية والاستشعار عن بُعد والتحليل الضوئي، ما يساهم في تحسين إدارة المحاصيل والإنتاج والتوزيع، ويجب على الدول والمزارعين الاستثمار في البحث والتطوير وتبني التكنولوجيا الحديثة لتعزيز الاقتصاد الزراعي.
واستطرد، تلعب السياسات الحكومية دورًا حاسمًا في دعم الاقتصاد الزراعي، ويجب أن تتبنى الحكومات السياسات التي تعزز الاستثمار في الزراعة، وتوفر الدعم المالي والتقني للمزارعين، وتشجع على التجارة الزراعية العادلة، كما يجب أن تتعاون الحكومات مع المنظمات الدولية والقطاع الخاص للتعاون في تنفيذ برامج تعزز الاقتصاد الزراعي وتحسن مستقبله، وعلى الرغم من التحديات المذكورة أعلاه، فإن للقطاع الزراعي إمكانات كبيرة للتطور والنمو في المستقبل، ويمكن أن يساهم في توفير فرص العمل وتحسين الأمن الغذائي وتعزيز التنمية المستدامة.
خالد الشافعي
وأتم، إذا تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز الاستدامة وتبني التكنولوجيا وتعزيز التجارة العادلة، فإن الاقتصاد الزراعي يمكن أن يكون قطاعًا حيويًا ومستدامًا في ظل التحديات الاقتصادية والعالمية المتردية في عام 2024 وما بعده.
أزمة جوع
وقال رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبدالكبير، إن من حقوق الإنسان توفير مأكله وهذا لا فصال فيه، ورغم ذلك يشهد العالم أزمة جوع تشهد تفاقمًا مقلقًا خلال عام 2024، حيث يتزايد عدد الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية والجوع المزمن، ويعيش ملايين الجوعى حول العالم، وغيرهم يعيشون في حالة سوء التغذية، وتتركز هذه المشكلة بشكل خاص في المناطق النامية، هذا المشهد المأساوي يشمل الأطفال الذين يعانون من تأثيرات الجوع على نموهم وتطورهم، والنساء الحوامل اللاتي يواجهن خطر الجوع المرتبط بتأثيرات سلبية على صحتهن وصحة أجنتهن، وهذا بالطبع لأسباب اقتصادية، والجوع هو حالة طبيعية وشائعة يعاني منها ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، ويعتبر الجوع مشكلة إنسانية تؤثر على صحة الإنسان بشكل شامل، سواء على المستوى البدني أو العقلي أو الاجتماعي، وينبغي على المجتمع الدولي أن يعمل بجد للتصدي لهذه المشكلة العالمية والعمل على توفير الغذاء الكافي للجميع.
وأضاف عبدالكبير، في تصريحات لـ"جسور بوست"، هناك آثار خطيرة تترتب على الجوع، منها النقص الغذائي والتغذية غير المتوازنة، ويعاني الأشخاص الذين يعانون من الجوع من نقص حاد في العناصر الغذائية الأساسية مثل البروتينات والفيتامينات والمعادن، ويؤدي هذا النقص إلى تدهور الحالة الصحية وضعف جهاز المناعة، وبالتالي زيادة عرضة الأشخاص للأمراض والإصابات، كما يتسبب الجوع في ضعف القدرة الجسمية والتراجع في الطاقة والقوة العضلية، ويزيد الجوع من خطر حدوث ضعف النمو وفقر الدم والتوتر العصبي والإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب.
واستطرد، تؤثر حالات الجوع المستمرة على الصحة العقلية والنفسية للأشخاص، ويعاني الأفراد في المجاعة من القلق والاكتئاب والتشتت التركيزي وانخفاض الحالة المزاجية، وقد تكون للجوع تأثيرات طويلة الأمد على القدرة العقلية والتعلم وتطور الدماغ لدى الأطفال، كما يؤثر الجوع أيضًا على النواحي الاجتماعية والاقتصادية للفرد والمجتمع بشكل عام، ويزيد من فرص الفقر والبطالة وتفاقم التفاوت الاجتماعي، ويمكن أن يؤدي الجوع إلى تفشي الجريمة والاضطرابات الاجتماعية والاضطرابات السياسية في المجتمعات المتأثرة.
وعن التدابير المتخذة للتصدي للجوع تابع، يجب على المجتمع الدولي العمل على تعزيز الأمن الغذائي من خلال تحسين إنتاج الغذاء وتوزيعه ووصوله، وأن تركز الجهود على دعم الزراعة المستدامة وتحسين البنية التحتية الزراعية وتطوير نظم الري والمحافظة على التنوع البيولوجي، أيضًا الوصول إلى التغذية الأساسية حق لجميع الأفراد، ولذا من المهم تعزيز الجهود لتوفير الغذاء الكافي والمغذي للأشخاص المتضررين من الجوع، بما في ذلك توفير المساعدات الغذائية وتطوير البرامج الغذائية المدعومة من الحكومة.
مصطفى عبد الكبير
وأتم، يواجه الجوع تحديًا كبيرًا في العالم، وتأثيره على صحة الإنسان مدمر بشكل شامل، لذا من المهم أن تكون مكافحة الجوع وتحقيق الأمن الغذائي أولوية عالمية، ويتطلب ذلك جهودًا متكاملة وتعاونًا قويًا بين الدول والمنظمات المعنية، ومن خلال اتخاذ التدابير المناسبة والمستدامة، يمكننا العمل معًا للقضاء على الجوع وتحسين صحة ورفاهية البشرية.
حلول مبتكرة
وقال الأكاديمي وعضو منظمة الفاو، الدكتور نادر نورالدين، إن هناك حلولا يتم استخدامها لمواجهة تحديات الأمن الغذائي والزراعة المستدامة، تشمل تقنيات مثل الزراعة بدون تربة والزراعة المائية المعتمدة على الأنظمة المغلقة، حيث يتم زراعة النباتات بدون تربة تقريبًا وباستخدام محاليل غذائية غنية، وتساعد هذه التقنيات في تحقيق كفاءة أعلى في استخدام الماء والموارد الأخرى، وتقليل التلوث والتأثير البيئي، أيضًا الزراعة العمودية والأفقية، وتعتمد هذه التقنيات على زراعة النباتات في طبقات متعددة عموديًا أو أفقيًا، ما يسمح بزيادة كفاءة استخدام المساحة وزيادة الإنتاجية، ويتم استخدام الإضاءة الاصطناعية ونظم الري المتقدمة لتوفير الظروف المثلى لنمو النباتات.
وأضاف نورالدين، في تصريحات لـ"جسور بوست"، استخدام الحساسات وأنظمة الأتمتة والذكاء الاصطناعي لمراقبة وإدارة المحاصيل بشكل فعال يساهم في الحلول أيضًا، حيث يمكن جمع البيانات الزراعية المتعلقة بالتربة والمناخ والماء والنباتات، وتحليلها لاتخاذ قرارات مستنيرة حول الري والتسميد ومكافحة الآفات، وتزداد شعبية الزراعة العضوية والمستدامة التي تستخدم ممارسات طبيعية وتتجنب استخدام المبيدات الكيميائية الضارة والأسمدة الاصطناعية القوية.
تساعد هذه الطرق في الحفاظ على التنوع البيولوجي وصحة التربة وتقليل التأثيرات البيئية السلبية، كذلك تستخدم التكنولوجيا الحيوية لتحسين صفات المحاصيل مثل المقاومة للآفات والأمراض والتحمل البيئي، ويمكن أن تساهم المحاصيل المعدلة وراثيًا في زيادة الإنتاجية وتحسين جودة المحاصيل.
وتابع، يتطلب التركيز على تحسين إدارة الموارد الطبيعية مثل المياه والتربة والغابات، بحيث يتم تعزيز دمج الممارسات المستدامة في الزراعة مثل التحويل إلى طرق الري الفعالة واستخدام تقنيات الحفاظ على المياه، وتحسين جودة التربة والتربية الاصطناعية للأسمدة، وتعتبر توعية المزارعين والمجتمعات المحلية بأفضل الممارسات الزراعية وأهمية الزراعة المستدامة جزءًا أساسيًا في مواجهة تحديات الأمن الغذائي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال برامج التدريب والتثقيف والتوعية المستهدفة، كما يمكن تعزيز الأمن الغذائي والزراعة المستدامة من خلال دعم المبادرات المحلية وتعزيز التجارة العادلة والمستدامة للمنتجات الزراعية، ويساعد ذلك في تحقيق العدالة الاقتصادية وتعزيز قدرة المزارعين على تحقيق دخل مستدام.
الدكتور نادر نور الدين
وأتم، يمكن استخدام الطاقة الشمسية والرياح في الزراعة المستدامة ولتشغيل أنظمة الري في الزراعة، فيتم تركيب الألواح الشمسية لتوليد الكهرباء من أشعة الشمس، وتستخدم هذه الكهرباء لتشغيل مضخات المياه التي توفر المياه للري، هذا النهج يعتبر بديلاً مستدامًا للاعتماد التقليدي على المحركات الاحتراقية الداخلية أو الكهرباء المأخوذة من مصادر غير متجددة.